"التخلي".. ضرورة لصناعة الحكاية | قصة في مدينتين | الجزء التاسع

24 يونيو  .   3 دقائق قراءة  .    778

رسائل

 

 

 

اعتادت رشا على ارتداء فستان طويل من الحرير الناعم، لمواجهة رطوبة بيروت، خلخالها يبقى مرافقا لها مهما كان نوع ثيابها وحالة الطقس، ليس فقط بهدف الزينة، هو جزء من اختيارها لحالة التمرد. تتجه نحو مكتب السيدة سعاد، هي في المراحل الأساسية من كتابة بحثها عن الاساطير، ضمن هذه المرحلة البحث يكون دقيقا، باختيار العناوين والمراجع وصياغتها.

 

تصل إلى باب المكتب، لتسمع صوت بكاء من الداخل، تنظر من خلف الباب لترى السيدة سعاد، رأسها على مكتبها الخشبي، دموعها تكاد تتخذ مكانا لها بين الشقوق، تحمل ورقة بيدها تنظر لها وهي تميل برأسها يمينا ويسارا، أرادت رشا قرع الباب والدخول، لكنها ترددت وفضلت الانسحاب. 

وقفت رشا على نافذة بالقرب من المكتب، لتسمع صوت الباب يفتح وتخرج منه مسرعة صاحبة المكتبة، بخطوات واثقة، تحرك شفتيها لتناديها لكنها تبقى صامتة، لتتجه نحو الداخل وتجلس على كرسيها المعتاد في انتظار عودتها. تنظر إلى الطاولة لتشاهد الورقة التي كانت تحملها السيدة سعاد، تتجه بعيونها نحو الباب، الفضول يأكلها لتعرف الكلمات التي أبكت مضيفتها. تقرأ وعيونها تتنقل بين الكلمات، رسالة من أمها، تخبرها قصتها، كيف تخلت عنها، وهي لم تراها ولا تعرفها، ولا تدرك وجودها، رسالة من دمشق بتاريخ 18 من تشرين الاول. 

 

" يمكنك استخدام هذه الرسالة لتكون جزءا من حكايات الاساطير "، تقف السيدة سعادة موجهة الكلام إليها، " رأيتك تقفين، أنت اول انسان أبكي أمامه،  هذه الطاولة والرسالة من والدتي، تحكي قصتها، وقصتي في نفس الوقت ". 

 رشا : كيف وصلت إليك؟

سعاد : أتى شخص من دمشق باحثا عني، ظننته في البداية كاذبا، لكن تفاصيل الرسالة أكدت لي صدقه

رشا: هي في دمشق؟

سعاد: إلى لحظة كتابتها، نعم.

رشا: هل زرتها؟ 

سعاد: أبدا، لا أستطيع، خائفة من رؤيتها بعد كل هذه السنين، وربما أخسرها سريعا لانها متقدمة في العمر

رشا: لكنها والدتك، ألا ترغبين في معرفة ما حدث؟!

تقف سعاد خلف مكتبها، تنظر إلى الورقة والطاولة، تنظر في عيون رشا وتقول، " لقد انتهى الزمن، لا أرغب بعد الان بالحديث عن الامر، ولا يجب عليكي النظر مرة أخرى من خلف الابواب، ما يهمك هو آلاف الاوراق، لا تنظري مرة أخرى لهذه الورقة ".

رشا لم تكن لتنسى، تريد البحث عن قصتها بما يوازي البحث عن أساطيرها، كتبت على دفتر ملاحظتها ما تذكرته من معلومات في الورقة، وكأنها ترغب في الذهاب إلى دمشق للبحث عن تلك المرأة.

 

بعض القهوة، توجهت إلى مكان بالقرب من البحر، لا تعرف أسمه، تطلق عليه "قهوة بيروت"، تريد التفكير واختيار عن ما تبحث عنه، قصة الاساطير ما جاءت من أجله، أم حكاية السيدة سعاد ومافيها من مغامرة، بهذه اللحظات تذكرت حبيبها.

الغائب عنها منذ مدة طويلة، تخلى أم سيعود مرة أخرى، لا يهم، قرارها هو البحث عن حياة جديدة بعيدا عنه، حتى لو عاد. 

تقاطع بالافكار، عودة والدة السيدة سعاد بعد سنين، ورفضها مقابلتها، ومواجهتها بالقول أنها يجب الذهاب لرؤيتها، وهي في ذات اللحظة ترفض رؤية حبيبها مرة أخرى إن عاد إليها.

 

يقف أمامها رجل يحمل مجموعة من الاكسسوارات، خواتم وخلخال وأساور، ابتسمت له، وعرض عليها الشراء، وافقت وطلبت منه الجلوس معها لاختيار قطع، ما يقدمه الرجل هو قطع في معظمها خشبية، محفورة بإتقان، اختارات "حورية البحر"، كونها ترمز إلى اسطورة. "اختيار موافق، هذه إحدى القطع التي اعطاني إيها شاب في دمشق، هو يحفر بطريقة ممتازة "، نظرت رشا إليها بضحكة وقالت له "مرة أخرى دمشق! "، استغرب الرجل من قولها، " اليوم أيضا هدية رأيتها لسيدة وصلت إليها". يتبادل الضيفان الحديث سريعا، ويخبرها عن زيارته الاخيرة حين تعرف على الشاب الذي أهداه هذه القطعة، ليقول لها كلمة تجعلها في دهشة، " الشاب كان مع شخص كبير في السن، حين عرفوا أني متجه إلى بيروت طلبوا مني المساعدة في إرسالة هدية إلى سيدة في بيروت، لكني رفضت حينها لأنها كانت كبيرة الحجم، طاولة كبيرة مع مغلف فيه رسالة "، كلمات كانت كافية ليصبح قرار رشا، البحث عن قصة السيدة سعاد، عادت بها الذاكرة إلى رواية الخيميائي، الرافضة لها، وما تحويه من إشارات يرسلها الكون، لا يهم ما حدث الأن من أرسله، القصة حاليا التوجه إلى دمشق، لتنسى رشا حبيبها و بحثها، تريد صناعة اسطورتها. 

 

لقراءة قصة والدة السيدة سعاد في القصة السابقة بعنوان: 

تجنب الابواب السبعة..وابحث عن أبواب الناس | قصة في مدينتين | الجزء الثامن

 

  1
  3
 0
X
يرجى كتابة التعليق قبل الإرسال